إن نظرة القارئ للقرآن نظرة كلية شاملة، تقوده إلى حسن التعامل مع القرآن وفهمه وتدبره، وتطلع القارئ على أهداف القرآن الأساسية وأغراضه الرئيسية ومقاصده العامة.
ويخطئ كثير من المسلمين في تسجيل أغراض القرآن وأهدافه، حيث يسجلون له أغراضًا وأهدافًا ثانوية، فالقرآن نزل للأموات وليس للأحياء عند بعضهم فلا يلتفتون إليه إلى عندما يموت الميت، ونزل القرآن عند بعضهم الآخر للبركة حيث يحولونه إلى حجب ورقى يضعونها على الأجساد أو البيوت أو السيارات من باب التيمن والتبرك.
فما هي الأهداف الأساسية للقرآن حتى نقف عليها في كل آياته وسوره، وحتى ندع لهذا القرآن الفرصة لكي يحققها فينا وفي مجتمعاتنا وفي واقعنا وحياتنا.
إن أهداف القرآن الأساسية لا تكاد تخرج عن أربعة:
أولًا- الهداية إلى الله سبحانه وتعالى، الهداية الشاملة للفرد بكل كيانه ومشاعره وأحاسيسه وجوانب حياته والهداية الشاملة للأمة بكل مجالاتها وحياتها والهداية الشاملة للإنسانية كلها إلى ربها سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} [الإسراء: 9]. فالهداية في الآية عامة شاملة، تشمل كل جوانب الحياة الإنسانية.
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} [الشورى: 52].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)} [النساء: 174].
فالقرآن روح ونور والله هو الذي يهدي بهذا النور وهو الذي كلف رسوله محمد عليه الصلاة والسلام ليهدي بهذا القرآن إلى صراط الله المستقيم، وهو الذي كلف كل مؤمن مهتد بهذا القرآن أن ينتقل إلى الآخرين ليهديهم إلى ما اهتدى إليه.
ثانيًا- إيجاد الشخصية الإسلامية المتكاملة المتوازنة، حيث يبدأ القرآن مع النفس البشرية بسهولة ويسر وتدرج، فيغرس الإيمان قي هذه النفس ويضيء لها جوانب حياتها بالنور الهادي وينمي فيها الخير والصلاح ويمدها بالوسائل والمناهج التي تعينها على رسالتها.
وقد نجح القرآن في تحقيق هذا الهدف في حياة الصحابة الكرام الذين كان الواحد منهم قرآنيًّا يعيش بالقرآن وفيه له. كما أنتج في العصور اللاحقة رجالًا قرآنيين في صفاتهم. وما زال القرآن جاهزًا وقادرًا بإذن الله على العطاء والإخراج.
وصدق الله إذ يقول: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]. فالناس بدون القرآن أموات في قلوبهم وحواسهم ومشاعرهم وحياتهم.
قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)} [فاطر: 19- 22]. فالقرآن لا يدركه إلى الحي ولا يتفاعل معه إلى أحياء القلوب.
قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)} [يس: 69- 70].
ثالثًا- إيجاد المجتمع الإنساني القرآني وهو المجتمع المكون من الأفراد القرآنيين الذين تربوا على منهج القرآن وأسسه ومبادئه وتوجيهاته. فعندما ينبثق المجتمع من نصوص القرآن ويعيش في ظلال القرآن وينمو في جو القرآن ويتقلب في أنوار القرآن يكون مجتمعًا حيًّا حياة عزيزة سعيدة وإلا فهو مجتمع ميت يجتر آلامه ومآسيه ويتجرع ذله وهوانه كل لحظة.
لقد أوجد القرآن مجتمع الصحابة، المجتمع القرآني الرائد، وهو قادر على إيجاد المجتمعات وبنائها إذا صدقت في الإقبال إليه والتفاعل معه والحياة به.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)} [الأنفال: 24].
فالقرآن هو دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحياة اللائقة ببني الإنسان الحياة القرآنية بكافة جوانبها ومظاهرها.
والحياة في الأسلوب القرآني تستعمل على أوجه ستة:
الأول: القوة النامية الموجودة في النبات والحيوان. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)} [الأنبياء: 30].
الثاني: القوة الحساسة، وبه سمي الحيوان حيوانًا قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر: 22].
الثالث: القوة العاملة العاقلة، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام: 122].
الرابع: ارتفاع الغم وعليه يحمل قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97].
الخامس: الحياة الأخروية الأبدية، وإليه يشير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)} [الفجر: 23- 24].
السادس: الحياة التي وصف الله بها نفسه فهو الحي الذي لا يموت. قال تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [غافر: 65].
رابعًا- توجيه الأمة الإسلامية في سيرها وتعاملها مع أعدائها المتربصين بها، الذين لا يتركون في حربها أسلوبًا ولا وسيلة. فالقرآن يأخذ بيد هذه الأمة ويمدها بوسائل النصر ويعرفها على أساليب الأعداء ومراوغتهم ومكرهم.
وهذا ما فعله القرآن مع الصحابة الكرام وهو ما زال قادرًا على ذلك بإذن الله.
قال تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} [الصف: 8- 9].
المصدر: موقع الكلم الطيب.